الاثنين

العلمانية تبكي وتبكي ولا من مجيب





بعد يوم طويل في العمل عدت إلى البيت متعبا ً لا أرى أمامي الا صورة الوسادة حبيبتي الوحيدة متمنيا ً أن أقضي معها الساعات القليلة القادمة ، فتحت الباب لأجد الحكيم في المجلس مع طفلة صغيرة تبكي بمرارة .

- أهلا يا حكيم ... من هذه ؟

- إنها صديقتك و حبيبتك لا بارك الله بك ولا بها

- سحقا ً أيها العجوز المقرف .. اخبرني من هي

- إنها العلمانية العربية الصغيرة تبكي وتلطم حظها الاسود الذي عرّفها على العرب .

- لا بأس ياعجوز ابتعد عن طريقي


مسكت ُ يدها الصغيرة و سألتها : مابك يا عدوة العرب ؟
- سأرفع قضية على الكويت .
- ولما هداك ِ الله ؟
- ألم تسمع بانتخابات مجلس الامة الكويتي ؟
- نعم .
قالت : أوما سمعت كيف شوهوا صورتي ؟ قلت : وكيف لا يشوهون صورتك وانت عدوتهم اللدودة ... أو هكذا هم يعتقدون . قالت : لكني لست أبكي على المتشددين دينيا ً ، بل على من يدعي انه مني وأنا لست منه .

فقلت : من تقصدين ؟ قالت : التحالف الديموقراطي .

فاذا بالشريعة التي كانت نائمة في فراشها قالت : لست أول ولا آخر من تم تشويه صورته ... فاسترسلي - تجاوز الله عن ذنوبك التي لا تعد ولا تحصى -
تركت لها المجال لتتحدث فقالت :



قالوا ان العلمانية كفر ، قالوا اني لست سوى مولود أتى على انقاض الكنيسة ، قالوا و قالوا الكثير ولازلت صامدة واثبت لهم بالسر انه لا غناة لهم عني ، كل دول العالم تستخدم العلمانية بأوجه مختلفة ، تونس تستخدم العلمانية و امريكا تستخدم العلمانية و اليابان تستخدم العلمانية و الكويت تستخدم العلمانية ، كل دولة تفصل الدين عن الدولة هي علمانية بالضرورة ، الفرق هو بمستوى الفصل جزئي او كامل .
لكني أعترف اني كائن مسخ قبيح ان أتيت وحدي دون مكملتي الليبرالية ، لك أن تتخيل دولة تطبق العلمانية بقوانين ظالمة ( تونس كمثال ) فأي فائدة سآتي بها أنا للبشرية ان استخدمني كل فكر و كل شخص من أجل تحقيق مآربه بدعوى " العلمانية " فيا اسمي المسكين لا تحزن .
البشرية لم تطالب بفصل الدين عن الدولة الا من اجل بناء وطن للجميع لا لدين معين على حساب الاقليات وحريتهم الدينيه ، كثير من الرؤساء والقادة استخدموني من اجل ظلم الاكثريات والاقليات على حد سواء ، فمنعوا الناس من عبادة آلهتهم و بناء دور العبادة بل وحتى حرية اللبس فرضوا عليهم السفور ومنعوا عنهم الحجاب ، وهذا ما فعله المتدينيين بزمن من الازمان عندما فرضوا الحجاب ووصفوا كل من خالفهم بأبشع الاسماء باسم الله ، وهو ما يذكرني بادبيات شاب سعودي يقول :
كلما حاولت أن اهرب من سجني الترابي قيدوني
بطقوس صار فيها الكل أخرس
فالليبرالية يجب ان تربط ربطا ً بي والا سأصبح كائنا ً مسخا ً أسوأ من اي دين وجد على هذه الارض لاني سأكون كلمة مطاطية يستخدمها أكبر ارهابي ، أما الليبرالية فسأتركها تتحدث عن مأساتها في يوم آخر وهي المسكينة التي لعب بها القاصي و الداني ، فإن قلت له ليبرالية قال لك : دعارة وفسق و فجور ، وكأنها دين محدد و شريعة غير قابله للتشكل ، اعتاد الجميع على مقارنة الليبرالية بالدين حتى انهم يرون انها لابد ان تكون محددة كي تصلح ( لجميع المجتمعات ) وهو الامر الذي دمر البشرية : بضرورة تطبيقها على كل مجتمع دون مراعاة لعاداته ، وهذا ما أتت الليبرالية لتنقضه لكن لها الله .
أما مصيبتي التي ألطم عليها فهي المنبر الديموقراطي الكويتي الذي ادخلني حجرة العمليات لتغيير ملامحي ليتناسب مع المجتمع الكويتي ، فكيف أكون أنا مساندة للشريعة ؟ أنا ؟ أنا التي قضيت حياتي كلها منذ ان ولدت حتى هذه اللحظة اسعى لفصل الدين عن الدولة من اجل سعادة البشر كي يكون الدين للفرد و الوطن للجميع ، يأتي من يتكلم باسمي ؟ وطريف ٌ من يقول انه يقصد الليبرالية ، فماهي الليبرالية على أي حال ؟ إنها طفلتي المدللـه و صغيرتي المحبوبة أتت من رحمي وأنا لها الفداء ، إنها للجميع ( مسلم \ مسيحي \ بوذي \ يهودي \ ملحد ) .
كيف أيها المنبر الديموقراطي تقول انك تحرص على تطبيق الشريعة ( وهو ما يناسب فهمك انت للشريعة المخالف لفهم المتدينيين ) بينما الشريعة تقول : فرض للحجاب و قتل لمن غير دينه و دفع الجزيه للمخالفين ولا منصب بالدولة الا للمسلمين ، فإن كنت أيها المنبر تقصد بعض جوانب الشريعة فخبت و خبت وخبت ، أي مبدأ لديك الذي يأخذ من الليبرالية جزء ومن الشريعة جزء .
أيها المنبر سأترك الشريعة ايضا تبكي حظها العاثر التي جعل منها - مثلي ومثل الليبرالية - كلمة يستخدمها كل من هب ودب .
أقسم إن دخول المجلس صار هاجس الناس لدرجة أن الكل مستعد على أن يبيع أي مبدأ هو عليه من أجل تحقيق مراده ، غدا ً سنجد التجمع السلفي يؤكد على تمسكه بالعلمانية لو أصبحت الكويت علمانية صرفة . وكما قال أحد الاصدقاء : اذكرك.. بعد كم سنة.. بيصير ابليس يقول .. انا اغوي العالم .. لكن وفق تعاليم الشريعة الاسلامية السمحاء
.

ليست هناك تعليقات: