"أغبى عمل هو تصنيف الناس بين الطيب و الشرير .. دعونا نعترف ان الشر والخير يمكنهم السكن جنبا الى جنب في قلب واحد"
صديقي الحكيم لديه نظرية تقول إن الخير ليس سوى ملاك ، و الشر ليس سوى الشيطان ذاته ، وهي حقيقة يرى أنها مستخلصة من الدين نفسه
وأني على الرغم من شعوري بالوحدة لسفره الاضطراري إلا أني سأكمل الكتابة هنا لأوضح رأيي بهذا الخصوص فربما هناك من يؤيده وقد أكون مخطئا ً فيعيدني أحد ٌ الى الصواب .
نحن لسنا ملائكة و لسنا شياطينا ً أيضا ، إن الشياطين التي نعرفها ليست سوى الجانب الشرير من نفوسنا ، و الملائكة ليست سوى الجانب الطيب فينا ، مع مرور الوقت فصلناهم عن بعضهم وجعلناهم كائنات مستقلة بل و أعطيناها السلطة للتحكم بأفعالنا و طريقة حكمنا على من حولنا ، فنصنف الناس ب : "هذا شرير و هذا طيب" ، فقد تقابل انسانا قاتلا ً ، لكن ليس بالضرورة أن يكون شريرا ً ، إنه شخص تعرض لموقف أنت تجهله جعله يرتكب جريمة أنت لا تعرف ماهيتها أو الظروف التي ارتكبت فيها ، كون الانسان قاتلا لا يجعله شريرا ، لكن لنقل إن القاتل إن لم يكن إنسانا ً طبيعيا ً ، أي أنه يقتل بدم بارد وكأنه يتناول العشاء فهو بحاجة ماسة الى العلاج النفسي ،،، أو ربما حبل المشنقة ، لست متأكد لكنه حتما ً لا يمثل الشر المطلق .
فالخير و الشر ليسا كائنيين منفصليين بل نظرتنا لها هي نتاج طبيعي لموروثات إنسانية نتوارثها من أمم سابقة ، ونحن إمتداد لها ، السلوك الانساني تمت ملاحظته منذ الأزل ، لا من علم الانثروبولوجيا ( علم دراسة الانسان ) بل من الفرد البشري نفسه ، ولكن لنقل انه لم يكن علما ً قائما ً بذاته إلا بعد أن ظهر من جعل هذا المجال تخصصا ً له ، إذن فالسلوك الإنساني تمت ملاحظته منذ الأزل ، و الخير و الشر ليسا سوى أمر نسبي جدا ً بين الشعوب فما يعتبره شعب ما خيرا ً قد يكون شريرا ً عند الاخر ، يمكن معرفته عن طريق مراقبة السلوك الإنساني اليومي ، نحن نقوم بآلاف الأعمال التي يمكن تصنيفها بـ : الجيدة و السيئة ، لكنها لا تجعلنا أناس جيدين أو سيئين .
لماذا لا يكون الراهب إنسانا ً سيئاً ؟ إن تمسكه بعقيدته ليست دليلا ً على طهارة نفسه مثلما السارق لا يعد شريرا ً فسرقته ليست دليلا ًعلى خبث روحه ، إننا ندرك هذه الحقيقة في حياتنا اليومية وستجد أن أغلبية الناس يتحدثون عن هذه الأمور بشفافية أكبر بل و يقرون بهذه الحقيقة ، لكن قلة هم المدركين أن أفعالهم تناقض أقوالهم ، لنأخذك أنت كمثال ... ألا تعتبر ألد عدو لك يعبر عن مكمن الشر ؟ كثير من الناس يعتبرونه كذلك .. ولماذا ؟ ببساطة لأنه يؤذيهم لهذا هو شرير ، الآن انتقل معي إلى الطرف الآخر من الجزيرة وانظر إلى هؤلاء الناس .. نعم .. إنهم يعتبرون عدوك أطهر ملاك ، إنهم أهله و أحبابه و شلة الأصدقاء . فكيف يمكن أن نوازي بين الأمور ونعادل بين الموقفين !!؟ إنه ببساطة يجمع الخير و الشر في قلبه لأنه انسان . وقد يبدو هذا الكلام بديهيا ً للمرة الأولى ولكن من منا يطبقه حقا ً من خلال عدم تشويه صورة عدوه وجعله الشر المطلق ؟
أبسط أمرين في هذه الحياة يشكلون أفكارنا ببساطة في بداية حياتنا
-1- الافلام الكرتونية
-2- الدين
أحدهما ظلمناه ، و الآخر ظلمنا
ولكي أكون أكثر وضوحا ً لنأخذ الأفلام الكرتونية أولا ً ، الافلام الكرتونية وما أدراك ما الأفلام الكرتونية ، إنها أول من أقنعنا أن هناك خير مطلق و شر مطلق ، أليس البطل في الافلام الكرتونية هو ذاك الشجاع المغوار الذي لا يخطئ بحق أحد ولا يقتل ولا يسرق ولا يجرح شعور الاخرين و يحب الفقراء و المساكين ، طيب القلب ، طاهر الروح ، حسن الصورة والاخلاق معا ً . ومن هو الشرير في تلك الافلام ؟ أليس هو القبيح الذميم الذي يستخدم قوته في ضر الاخرين لكنه جبان في الداخل ، إنه الذي يؤذي الناس و يجرح مشاعرهم قاتل سارق يكره الناس جميعا ً ولا يحب الا نفسه ، خبيث و خائن .
هذه الصورة تجعل الطفل يكبر وهو يرى أن من يسرق هو شرير بالضرورة ( وان كان لمرحلة معينة ) بل إنها تجعل الطفل يرسم صورة لنفسه قد لا تكون حقيقية ، فلو أخطأ هذا الطفل قد يعتبر نفسه من ضمن الأشرار . أنا لا أقول أن لها تأثيرا ً بالغا ً على مجرى حياتنا ، لكن حتما ً لها علاقة في رسم صورة الخير و الشر في نفوسنا تجاه الاخرين .
أما بخصوص الدين فهو الذي حاول رجال الدين لقرون طويلة أن يطبقوا عليه مقولة بوش : من ليس معنا فهو ضدنا .
قبل أن أنتقل لرجال الدين أود أن أبين الصورة التي أرى فيها الأمور بخصوص الخير و الشر من المنظور الديني : يفسر الكثير من الناس مفهوم الخير و الشر بمنظور ديني خاطئ ، لأن الخير و الشر ليسا فقط ملائكة و شياطين ، بل هما نوع جديد يسمى : الجنس البشري وهو ما يجمع الخير و الشر في جسد واحد ، لسنا أشرارا نقوم بأعمال سيئة طوال الوقت ، و لسنا بملائكة تتفانى لفعل الخير في حياتها .
أما رجل الدين فهو يتحدث عن العصاة وكأنهم سيذهبون إلى جهنم لا مفر منها إنه لا يكل ولا يمل من الحديث عن عقاب الله و جبروته و جهنمه لكنه قليلا ما يحدثنا عن رحمته وجنته ، ولنكن أكثر دقة في وصف حال بعض رجال الدين تجاه الخير و الشر ومن ليس معنا فهو ضدنا ، إنهم يتسامحون مع العاصي بل و الكافر ، لكنهم لا يتسامحون مع المفكر الحر وإن كان متدينا ً ، لأنه حتما ً يمثل تهديدا ً حقيقيا ً لهم و ربما يحد من سلطتهم وهذا ما لا يجب أن يحدث في عالمهم ، لذا نلاحظ شن الحملة الهوجاء من بعضهم تجاه العلمانية و الليبرالية بوصفها شرا ً مطلقا ً أسوأ من ملل الارض مجتمعة ، اذن الامر ليس هو ان عدونا شرير ، بل لأنه يهدد مصالحنا ، والأمر ليس اننا نحن أناس أشرار بل اننا نتعامل مع العالم من خلال طبيعتنا البشرية التي تحمل الخير و الشر معا ً .
الى لقاء قريب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق