عاد الحكيم من سفرته الاضطرارية القصيرة ليلتقي وجها لوجه مع شمس الكويت الحارقة التي لا تعرف العدو من الصديق ، كنت قد وعدته بأن أصطحبه معي الى لتناول العشاء في منتجع hilton الكويت بمناسبة عودته من السفر والله يعين على الحساب ، ركنت سيارتي في مكان قريب من البوابة و دخلنا الى المبنى في اتجاه المطعم مرورا بمحلات الملابس والمقاهي ، بعد مرور ما يقارب النصف ساعة وصل الطلب و استأذنت الحكيم بالذهاب لدورة المياه ، لكن عندما عدت كان الـ( جو مكهرب جدا ً) فسألت الحكيم عن السبب
الحكيم ( فاطس ضحك ) : حصل شجار بين فتاتين ها هاها المرأة عدوة المرأة أيها المتمدن ، مهما كان الشجار عنيفا ً بين الرجل و الرجل ،و المرأة و الرجل ، يبقى شجار النساء أعنف و أقوى من أي شجار آخر ... ومن المعلوم أن عداوة النساء شديدة إن لم يتفقن
المتمدن : هاهاها ،،، وهو ما ينطبق علينا نحن معشر العرب يا حكيم
الحكيم : العرب اتفقوا على أن لا يتفقوا فلما العجب. أمران لا يمكن أن يتم اخفاء أي ٌ منهما ، عداوة النساء و عداوة العرب
المتمدن : أضف عليهما الانتقائية العربية ، التي لا تخفى على الأعمى كما قال الفيلسوف السبعاوي ( مشتق من رواية سبعة ) بأننا أفضل شعب يطبق نظرية الانتقائية ، نحن ننتقي كل شئ في حياتنا بجرعات زائدة عن الأمم الأخرى حتى في أكثر الأمور التي نقدسها ، ألم نطبق من الدين ( الزوجات الأربع ) ونرتكب باقي الجرائم التي حرمها بل والبعض لا يفكر حتى بالصلاة على الرغم من ايمانه بكفره لو تركها ؟ ألم تطالب النساء بالمهور و المصروف الذي كفله الاسلام لها و تتغاضى عن حق زوجها في في الزواج من أخرى ؟ ألم يطالب الشباب بـ السيطرة على الاخت و الزوجة و الابنة و حرمانها من معاشها وخروجها و عملها ، لكنه يتغاضى عن أمر مهم في الزواج وهو أن المهر الذي يدفعه و الارتباط على المذهب السلفي يكفل للمرأة حق الاضراب عن العمل إن لم يكن بإرادتها ؟ أم أن رجال الدين اليوم يركزون كل التركيز على ضرورة طاعة المرأة للرجل ولا يتحدثون عما في الكتب من ضرورة أن يوفر الرجل للمرأة مأكلها و مشربها ؟
هذا بخصوص الدين فما بالك بنظرتنا لأنفسنا ؟ إننا أعداء أنفسنا قبل أن نكون عدو أحد ، ألم نغفر لفريدريك نيتشه خطاياه و أدخلناه مكتباتنا و أسواقنا وطار به الشباب على الرغم من أنه يرفض تقديس الدين و رجاله و يرى أن الله قد مات في قلوبنا و إن الانسان الخارق مستعد لحكم العالم . لكننا و إن غفرنا لنيتشه لا نستطيع أن نغفر لتركي الحمد عندما قال على لسان أحدى شخصيات الرواية :" ان الله و الشيطان وجهان لعملة واحدة " ، يبدو أنها العقدة العربية في معاداة كل تحرر عربي و استقبال أي موجة غربية ، إنهم لا يحاسبون توفيق الحكيم عندما قال في مسرحيته " عصفور من الشرق" على لسان إحدى الشخصيات كلاما ً لا يليق عن الله تعالى .
على الرغم من أن تركي الحمد و توفيق الحكيم في موقف واحد تماما ً كلاهما تحدث بما لا يليق عن الله تعالى على لسان شخصية متحررة فلماذا يحاسبون تركي الحمد ولا نجد لتوفيق الحكيم من محاسب ؟ يوما ً بعد يوم يزداد يقيني ان الدين أفضل قناع يمكن أن تعبر من وراءه عما يجول في خاطرك بلا خوف أو قلق .
عندما يقول أحمد البغدادي بأن الرسول عليه السلام قد فشل في دعوته في مكة المكرمة ، نعتبره مجرم خطير متعدي على الشريعة و يستحق العقاب لانه كاشف لأوراقه ومقر بعلمانيته ، لكن عندما يقول نفس العبارة رجل مقنع مثل عمرو خالد تتغير الاراء ونغفر له ولا نقوم بنفس الصجة التي قمنا بها على البغدادي بل والبعض يعتبره مجتهد ، وعندما يقول طارق السويدان : " أنا لا أؤمن بالسحر " لا يتحدث أحد عن تكذيبه لصريح القرآن ولا نرى تلك الحملة الشرسة عليه كما فعلنا مع الآخرين ... والسبب ؟ ذلك القناع العجيب .
عندما يقول أحمد البغدادي :" لا أريد أن يدرس أبني القران على حساب الموسيقى يصبح من دعاة التمرد و الكفر لا توبة له عندنا ، على الرغم من أن أبسط حقوقه هو اختيار نوع التعليم لابنه . لكن محمد الثويني في برنامج " الحياة حلوة يا شباب " كان يقول لأحد الشباب :" لا تدخل كلية الشريعة فلسنا بحاجة للمزيد منهم بل ادخل العلوم الدنيوية " يتم السكوت عنه على الرغم من أن نصيحته هذه موجهه لعموم الشباب ، فلماذا نعاقب الأول و نتجاهل الثاني ان علمنا ان البغدادي يتحدث عن حياته الاسرية لوزارة التربية ويعبر عن رفضه لقانونها الجديد وهذا حقه كمواطن في بلد يدعي الديموقراطية .
ماذا لو كتب البغدادي مقالا يقول فيه : توجهوا للعلوم الدنيوية و اتركوا كلية الشريعة ... ماهي ردود الأفعال يا ترى ؟
إننا نتسامح مع الفلاسفة الذين يعتبرون وجودنا مأساة نحياها ، بل ونمجدهم حتى في مناهجنا ، لكننا لا نشبع أبدا من السخرية على عثمان العمير الذي حاول أن يلقي على البشرية شعاع من أمل في استمراريتها الابدية عندما قال إنه يؤمن أن العلم قادر على التوصل الى علاج لانهاء الموت . اذن نحن نمجد من يرى أن حياتنا مجرد مأساة ونسخر ممن يرى امكانية علاج الموت .
الحكيم : ولا ملام عليهم ، ففكرة علاج الموت هي قمة الجنون يا متمدن ، مهما تطور الطب لا يمكن علاج الموت .
الحقيقة يا حكيم اني لا أؤمن بأن الطب سيتوصل الى علاج للموت بل إني أرفض الفكرة لأنه يكفيني عمر الندى لكن ماهو الداعي لتسفيه أحلام الاخرين ؟
ياعزيزي ان الانتقائية العربية ملاحظة جدا ً ، يستخدمها أكبر داشر و أعقل العقلاء فكل طعامك أيها الحكيم وكفى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق