الحكيم : أتصدق أيها المتمدن أن الرازي كان ملحدا ً ؟
المتمدن : الرازي ؟ اممم ... ربما ، لم أعد أصدق كلام العرب ، قد يكون ملحدا ً وقد لا يكون ، كثير من العلماء قيل إنهم ملاحدة ، يصعب التأكد من ذلك دون اعتراف منهم .
الحكيم : قد يكون ذلك صحيحا ً لكن تمجيده للعقل كان مبالغا ً فيه .
المتمدن : لكنه اعترف بأن العقل من نعم الله علينا ، أليس كذلك ؟
الحكيم : زنديق
المتمدن : اسمعني أيها العجوز ، الرازي كان متفوقا ً على غيره من معاصريه ، وكان شديد الذكاء ولا ملام عليه إن مجد عقله ، أليس هو من ابتكر طريقة رائعة في اختيار موقع لمستشفى بغداد ، حيث وضع قطعة لحم في انحاء مختلفة من بغداد و راح يلحظ سرعة تعفنها ، ومن الطبيعي أن يكون المكان المناسب هو أقلها فاعلية للتعفن . قيل ذلك عن ابن سينا حيث قللوا من ايمانه بسبب عشقه للفلاسفة القدماء ، ولا نستطيع أن نعرف الحقيقة ما لم يعترفوا بأنفسهم ، ولا أحسب ذلك مهما ً .
الحكيم : كيف لا يكون ذلك مهما ً وهو أساس كل انسان ، فساد العقيدة يجب أن يكون ظاهرا ً للعيان ، ونكشفه للعوام حتى لا ينخدعوا بأمثال هؤلاء ... وهناك من اعترف بكفره صراحة مثل : الحلاج \ ابن الراوندي \ صادق جلال العظم \ شبلي شميل \ عبدالله القصيمي .
المتمدن : والله و النعم هاهاهاها .
الحكيم : جهنم وبئس المصير .
المتمدن : بعيدا ً عن التعصب في الجانبين الديني و اللاديني ، أعشق شخصية عبدالله القصيمي كثيرا ً
ألف عنه يورغن فازلا كتابا ً بعنوان ( من أصولي الى ملحد ) .
صدرت فتاوي كثيرة بتكفيره .
تعرض لأكثر من محاولة اغتيال
عاش حياته بعيدا ً عن وطنه و ألف كتب تعتبر فريدة من نوعها بسبب جمال الاسلوب وقوة الحجة في أحيان كثيرة ... والأهم أنه كسر القيود و أعلن عن إلحاده في مجتمع ٍ لا يرضى بغير الاسلام دينا ً ، إنه أديب رائع ، عبدالله القصيمي ، سواء إتفقنا معه أو لم نتفق بخصوص معتقداته ، يجب أن نعترف أنه لا يقل إبداعا ً عن من سواه و لقد ظهر بعض المتطرفين لينكروا أدبه بسبب الحاده ، لاشك أن هناك من أصابه الضيق الشديد بسبب ردته عن الاسلام و إنكاره لمعتقد الآباء الأولين ، قال عنه الشيخ إبن عقيل الظاهري : هذا الرجل الذي ألف " الصراع بين الإسلام والوثنية " ممن يؤسف له على الكفر
ما يجب أن نعرفه ان القصيمي ، كحال ملاحدة العالم لم يتحول من الإيمان إلى الكفر فجأة ، إنما ظهرت عليه ملامح الشك و الريبه بخصوص الدين ، فهو حتى قبل إلحاده كان يجادل بأبسط بديهيات الدين ، و كحال المسلمين المتحولين للإلحاد كان الأمر بالغ الصعوبه عليه لدرجة حرمانه من النوم طوال الليل .
الحكيم : القصيمي كان مريضا ً نفسيا ً وهذا سبب إلحاده وإلا لما انتقل الى الضفة الاخرى .
المتمدن : ما حزرت ياعجوز النحس ، شوف هالرابط
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/835D5227-64EE-4F39-B0F5-DBA6D056D573.htm
غير ذلك عندما ينتقل ملحد أو مسيحي إلى الإسلام نقول إنه وجد ضالته وإنها فطرته السليمة ، لكن عندما يخرج أي مسلم من الاسلام يصبح مريضا ً نفسيا ً .. هاها أليس كذلك؟
أما أنا - برأيي الشخصي - إن الملتزمين بالدين في مرحلة معينة في حياتهم هم أكثر الناس ميلاناً للإلحاد ، ولا أدل على ذلك إلا كلام الدكتور محمد العوضي في مقاله له قبل عدة أشهر عندما كان يتحدث عن " ثامر" الشاب الذي تحول من الاسلام إلى الالحاد ، فقال ثامر على لسان العوضي : "ان الالحاد بدايته ذكاء ، والاستمرار فيه غباء "
لا أتفق تماما ً مع هذه الجملة فالغباء و الذكاء لا يجتمعان بشخص واحد لكن العوضي أو ثامر ، مضطر أن يقول إن الاستمرار بالالحاد غباء حتى لا يكون شاهد على ذكاء المخالف ، أنا أرى إنها مسألة شخصية تماما ً قد يكون العبقري مسلم وقد يكون ملحد وقد يكون مسيحي ، فالمعتقدات هذه من أدق خصوصيات أي إنسان، القصيمي لم يكن سوى أحد الشيوخ الذين رفضوا تكرار كلام الأموات و وراثة الدين عن الاباء و الأجداد ، بل إن الجميع كان يشهد بذكاء هذا الشيخ السعودي .
ربما يرى الناس إن إنقلاب القصيمي كان سريعا ً و غريباً ، لكني متأكد أن القصيمي قد عانى الأمرين من أجل الإنسلاخ عن معتقده و تسليم القيادة للعقل ، لا يمكن لمدافع عن الدين ، محب له ، أن ينقلب بين ليلة و ضحاها ، لقد كانت معاناته كبيرة ، و سوف أستشهد بقوله هو لإثبات ذلك :
كان الغرور الديني قد أفسد عليّ كل شعور بالوجود وبجماله، وكنت مؤمنا بأن من في المجتمع لو كانوا يرون رأيي ويزهدون زهدي لوقفت الأعمال كلها، وكنت لا أخالق إنسانا رغبة فيما يتخالق الآخرون من أجله، وكان شعاري في تلك الفترة قول ذلك المغرور المخدوع مثلي :
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
وكان يخيل إلي وإلى غروري الديني الأعمى أنه لاقوة كقوتي ، لأن الله معي واهب القوى !
فليقو العالم كما يشاء وليجمع من الأسباب ماطاب له فان ذلك كله لا قيمة له ولا خطر بالنسبة الى من استقوى بقوة الله ).
نعم القصيمي كان يعاني من أجل إبعاد الدين عن نفسه ، وهذا دليل على صدقه و جديته ، لأن اللعوب دائما يسهل عليه تغيير مايؤمن به من أجل شهوة الشهرة أو المال ، فلما يتعذب من أجلها ؟
الحكيم : وما أدراك أيها الطفل المتعصب ، اقرأ كتب القصيمي لتجد قمة التطرف فيها
المتمدن : أنا أدري يا العجوز إن القصيمي كان متطرفا ً في بعض أحواله ، لقد تطرف كثيرا ً عندما كان مسلما ً وكذلك عند إلحاده .
الحكيم : ربما .. خصوصا إن أخذنا غروره في كتاب هذه هي الاغلال عندما أخذ بمدح نفسه حتى إنك تعتقد إنك على وشك أن تقرأ انجيل الثورة ، أعطى لنفسه حجما ً أكبر من حجمه الحقيقي .
المتمدن : لا ينكر ابداع القصيمي الا متعصب جاهل مثلك يا عجوز الخيبة ، ولكن قد يتضح لمن يقرأ أكثر من كتاب للقصيمي إن كتاباته ليست سوى صرخات إنسان غاضب جدا ً فهو يكرر نفسه في عدد كبير من كتبه ، بل انه لو جمع كل كتبه في كتاب واحد ضخم لكفته ، فمثلا كتاب : الانسان يعصي لهذا يصنع الحضارة، كانت فيه افكار جميلة و جيدة جدا ً لكن عدد كبير منها مشابه للكتب السابقة ، فهو يملك فكرة واحدة ويصيغها بأكثر من اسلوب ، وعلى الرغم من أنها تعتبر سلبية ، إلا أنها تدل على إبداعه الادبي بصياغة فكرة واحدة بأساليب متعددة .
أول و أجمل ما قرأت للقصيمي هو " أيها العقل من رآك " كان ممتازاً لأنه سلس وعلى شكل حكم وأمثال تم تجميعها، و الأهم انه تلخيص جيد جدا ً لأفكاره .
الشاهد من ذلك أن القصيمي و أمثاله ، اثبتوا أن ترك الدين ليس بسبب الشهوة فقط ، بل نابع من قناعة داخلية ، قد يسميها البعض " شبهات " .
الحكيم : عن أي شبهات تتحدث ؟ عبدالله القصيمي هو التطرف بعينه ، إنه الحقد على كل ماهو ديني ، كتبه تحمل تطرفا ً واضحا ً و تحاملا ً على الدين وأهله بل و غضبا ً من مجتمعه الذي نبذه . إنه مدمر من الدرجة الاولى ، نقده غير بناء أبداً كما أرى فهو يرى الجماهير مجرد خراف تصرخ باسم الاله المقدس .
المتمدن : لكن هذا لا يمنع إنه ذكر حكم رائعة تكتب بماء من الذهب . هو يتحدث عمن أسلم عقله لرجال الدين أيضا ً و العادات القديمة ، انه صرخة كل صاحب شك و ريبة ، عبدالله القصيمي لم يكن حاقدا ً لمجرد الحقد ، بل حاقدا ً بسبب اليأس . على الرغم أن كلمة حاقد لا تليق بمثله لكنها الحقيقة فهو غاضب من خضوع الناس لسلطة رجال الدين .
يقول مدافعا ً عن نفسه :
- ( ان ما يقوله بعضهم من أنني هدام ، فإنني اقول لهؤلاء: عندما تتهمونني
بالهدم، وتقولون لي قف لا تهدم، فأنتم حينئذ تشبهون من يطلبون من الذين يقتلون الحشرات وجراثيم المرض ومنظفي المدينة، أن توقفوا عن أعمالكم، لأنها اعمال هدمية )
الحكيم : هذا الرجل لم يكن سوى صرخة ألم ... وهذه الحقيقة شئت أم أبيت ، الألم كان مسيطرا ً على كتاباته، إن أي قارئ لكتب القصيمي يستنتج أن كلمة " العقل" استخدمت كثيرا ً في كتبه لكن في الغالب سيطر الألم و الحزن و القلب على اقوال وكتابات هذا العظيم .
المتمدن : لكن يا حكيم ، أنا لا أعتبر هذا نقصا ً فيه ، تحسب له لا عليه ، هل يحتاج البشر حقا ً إلى العقل دائما ؟ نحتاج إلى الغضب و الألم أحيانا للنهوض ، نحتاج لمشاعر الغضب والكره ، أنني أقف إحتراما و تقديرا ً للقصيمي على صراحته عندما قال :
( إن كل دموع البشر تنصب في عيوني، وأحزانهم تتجمع في قلبي، وآلامهم تأكل أعضائي .. ليس لأني قديس، بل لأني مصاب بمرض الحساسية ) !!!
بمناسبة ذكره لكلمة قديس .. قرأت منذ فترة كتاب للفيلسوف نيتشه بعنوان : هو هذا الانسان يقول فيه : إني لأفضل أن أكون مهرجا ً على أن أكون قديسا ً .
و إني أتفق معه تماما ً فلسنا بحاجة إلى رجال دين فهم كالغثاء في كل مكان ، نحن بحاجة لمن يترك برجه العاجي لينظر ماذا يدور في أذهان من يسمونهم " العوام "
يقول القصيمي إنه يشعر بمعاناة كل البشر و يحس بآلامهم لأنه إنسان حساس ، و إني شعرت بالغثيان عندما قرأت لبعض من كتبوا عن القصيمي فكانوا بكل خبث يحورون الكلام و يستغلونها لاظهار القصيمي بأبشع صورة ، قال بعضهم ان القصيمي اعترف انه مريض نفسي بسبب قوله : ليس لاني قديس بل مصاب بمرض الحساسية .
فهذه أخبث تهمة ،إنها دليل فاشل تماما ً وعاجز أيضا ومدلس .
القصيمي له سلبياته و إيجابياته كأي مفكر آخر ، تستطيع أن تستنتج بسرعة من كتبه السبيات و الايجابيات .
الحكيم : من أعظم سلبياته أن هناك بعثرة و اضطراب في كتاباته و الدليل تكرارها و سطحية بعضها ، بل إن بعض الأفكار أجدها جد منحرفة وفاسدة .
المتمدن : لكن يكفي أنها نابعة من قلبه ، وأسلوبه الشيق في الكتابة أيضا مميز . بل إنه طرح حقائق واقعية واصاب الحق في كثير من الامور .
سأذكر بعض الامور التي ذكرها القصيمي في تلخيص : أيها العقل من رآك ، سأحاول شرحها فيما يلي .
يقول : ان الذي لا يعلم بوجودي لا يـُـعد مسيئا إلي ، ولكن المسيء هو الذي يعلم بوجودي و يلعن اعترافه بي ، ثم ينسب الي الشرور والنقائص .
انتهى
المقصود هنا كما هو واضح هو الله ، فإن الذي لا يعلم أو لا يملك اليقين التام لإثبات وجود الله لهو خير من الذي يعترف بوجود الله ثم يقوم بتأليف دين أو نسب الشرور لله كما يفعل رجال الدين أو حتى البابا في العصور الوسطى من صكوك الغفران وغيره .
أجزم أن القصيمي له مقصد آخر أو أكثر عمقا ً لكن لا مجال لشرحه هنا .
يقول : ان الشيخ الذي يلأ لسانه بالله وتسبيحاته ، ويملأ تصوراته بالخوف منه و من جحيمه ، ثم يملأ أعضائه و شهواته بالكذب و الخيانة والصغائر وعبادة الاقوياء لهو أكفر من أي زنديق في هذا العالم .
انتهى
هنا ملاحظة جديرة بالاهتمام
إن كانت الزندقة إبطان للكفر ، فهو على أي حال (كافر)، لكن الشيخ المنافق لهو أكفر منه ، لأنه عَلِمَ بوجود الله و خدع الناس وهو متيقن من دينه ، واستمر بإشباع شهواته ثم بكل وقاحة يشتم الكفار على المنابر ، و يقلل من شأن من يعتنق دين أو فكر مخالف ، بينما هو في سره أسوأ منهم جميعا ً.
يقول : لقد وجدنا ، فأردنا وجودنا ، ثم وضعنا له تفسيرا ً عقليا ً و أدبيا ً .
هنا القصيمي ينفي مقدرة الانسان على معرفة سر الوجود أو سببه ، أو حتى بدايته وكيفيته ، فهو يلغي أي قيمة للحياة ، ذكر ذلك في أكثر من موقع ، لكن يهمني استشهادي السابق بكلامه ، إن تلك الجملة التي قالها ترتبت عليها نتيجة ، وهي إن الإنسان عندما وُجد أراد أن يحيا لكن من الصعب عليه أن يتقبل حقيقة جهلة بمصدر وجوده ، وبسبب بساطة وسطيحة تفكير الانسان الأول نسبها لتلك القوة العظمى التي وضع فيها كل ما يحلم به .
حتى أكون أكثر وضوحا ً .. يريد القصيمي أن يوضح - كما أرى - نقطة وهي : ماذا كانت ستخسر الآلهة لو انها تركتنا للعدم ؟ ولما تلك الحاجة الملحة لدى الآلهة لكي تخلقنا ... فالعبادة ليست سوى تبرير سطحي من فكر سطحي .
لديه جملة تؤيد قولي ، قال فيها : إن هذه الحياة تشبه من وضع في قدميه قيدا ً ذا عقد كثيرة ، ليكون كل عمله و اهتمامه ان يحاول فك هذه العقدة "
ويقول في موضع اخر : ان هذه الحياة أشبه بالسقوط في بئر ثم محاولة للخروج منه "
هنا يستنكر القصيمي أن يكون الله قد خلق البشر من أجل الإختبار و العقاب و الثواب ، إن كان في الإساس يعرف النتيجة مسبقا ً ، فلما يخلقنا ؟
ظهرت تفسيرات سطحية كثيرة وطريفة أحيانا ً مثل : خلقنا لانه يريدنا ان نعبده ، او خلقنا لانه يحبنا ويريد لنا الخير
هذه التفسيرات لن تقنعه بلا شك .
لقد كانت النتيجة هي ما ذكرها الزهاوي الشاعر العراقي في بيتين عن هذا الامر :
لما جهلت من الطبيعة أمرها .. أقمت نفسك في مقام معلل
أثبت ربا ً تبتغي به حلا ً ... للمشكلات ، فكان أكبر مشكل
و يعيد القصيمي ذكر نفس الفكرة بأسلوب مشابه بقوله : إن جميع ما يفعله البشر ليس الا علاجا ً لغلطة وجودهم .
ثم يصف القصيمي سكان السماء بالكائنات البعيدة الصامتة
في هذه النقطة بالذات يريد القصيمي أن يقول - كما أعتقد- أن الانسان هو خالق الله وليس العكس ، ففي علم النفس تقسم حاجات الانسان إلى ضرورية و ثانوية ، الصفات الضرورية هي تلك التي تقهر الانسان ولا يعيش بدونها مثل الاكل و الشرب و النوم و الجنس ، لقد نفى الانسان أن يحتاج الله لأي منها ، لأنها تقهره وتدل على ضعفه .
لكن الحاجات الاجتماعية النفسية في علم النفس التي يسعى الانسان لكسبها طوال حياته وهي : الشهرة ، النجاح ، التملك ، المحبة ... كلها نسبها الانسان إلى الاله الذي يعبده ، ولهكذا يريد القصيمي أن يقول إن الرب ليس سوى نسخة منقحة من رغبات وحاجات الانسان التي في أحيان كثيرة يعجز عن تطبيقها على أرض الواقع .
لقد عانى القصيمي الأمرين من إنكار الناس له ، وإن كان قد حاز على شهرة و تشجيع واهتمام بالغ في كتبه الاولى ، لكن تكرار اسلوبه افقده قيمته ، وصف انكار مجتمعه له افضل وصف نتفق معه فيه سواء كنا مسلمين أو مسيحيين أو ملاحدة ، عندما قال :
ان من أسوأ مافي المتدينيين انهم يتسامحون مع الفاسدين ولا يتسامحون مع المفكرين .
وهذه حقيقة مؤسفة ، فترى ان الخطيب في صلاة الجمعة مثلا يصرخ ويلعن المفكر ويتوعده بالويل ويعتبره العدو الأول ، بينما يكون في غاية الرقة مع الفاسد ، ويدعو له بالهداية ، ذلك ان لديه معه قاعدة مشتركة ، والحقيقة أني أنظر لهذا الهلع والخوف عند المتعصبيين ( وليس المتدينيين كما ذكر القصيمي فأنا أختلف معه بالوصف ) هذا الهلع ليس سوى خوف من ( سحب القطيع ) وهو مصطلح أطلقه على من يمشي بلا إعمال للعقل ، إن المتعصب يخشى كل الخشية من المفكر لأنه يتكلم بعقل و حكمة بينما لا يهتم كثيرا لأمر الفاسد لأنه يعلم انه مهما فسد و استسلم لشهواته فهو عائد إلى الدين لا محالة ، بينما المفكر حتى وإن كان مسلما ً يكفي أن يكون متحررا ً لكي تنهال عليه اللعنات .
لا يهم لدى المتعصب أن تكون أخلاقك حسنة ، يكفي أن تخالفه لكي تكون من جماعة المغضوب عليهم ، ولا يهمه أن تكون أخلاقك سيئة ما دام فكرك يشابه فكره ، وهو ما وصفه القصيمي بوصف دقيق عندما قال : ان المطلوب عند المتدين هو المحافظة على رجعية التفكير ، ولا على نظافة السلوك .
وهذه بعض آراء بعض الشخصيات على عبدالله القصيمي :
قال انسي الحاج:
" اقرأوا القصيمي. لا تقرأوا الان الا القصيمي . ياماحلمنا ان نكتب بهذه الشجاعة! ياما هربنا من قول ما يقول! ياما روضنا انفسنا على النفاق، وتكيفنا، وحطمنا في انفسنا الحقيقة، لكي نتقي شر جزء مما لم يحاول القصيمي أن يتقي شر قوله. يهجم على الكلمة هجوم البائع الدنيا، وتقتحمك كلماته التي لا تتوقف اقتحام الحريق ضد كل شيء ".
" لم يفعل القصيمي شيئا. افكاره موضوعة في كتب، والكتب يجاوب عليها بكتب. معاملة الكاتب بالتدابير البوليسية تصرف جبان ".
يقول ادونيس في مجلة " لسان الحال " 65
:
" لا تستطيع أن تمسك به ـ بالقصيمي ـ فهو صراخ يقول كل شيء ولا يقول شيئا. يخاطب الجميع ولا يخاطب أحدا. انه الوجه والقفا: ثائر ومتلائم، ملتزم وغير ملتزم، بريء وفتاك. وانت عاجز عن وصفه. فهو بركان يتفجر، والحمم كلمات تحرق، لكن فيما تزرع العشب. فهو تيار جامح مهيب من المد والجزر، من الانقراض والانبعاث، مسكون بشحنة الاحتجاج، متناقض ومنطقي، معتم وصاف: كأنه الرمل وقطرة المطر.هكذا تتقاطع في صوته اصداء كثيرة: من هيراقليطس، وحتى العبثية مرورا بنيتشة وماركس،. لكنه يبقى غريبا اصيل النبرة والبعد،حتى ليصعب ان يوصف العربي الذي لايقرؤه بأنه مثقف أو بانه يحيا على هذه الارض.
" عبد الله القصيمي في الفكر العربي حدث ومجيء: حدث لأن صوت هذا البدوي الاتي من تحت سماء المدينة ومكة، صوت هائل فريد. ومجيء لأن في هذا الصوت غضب الرؤيا والنبوءة..."
ابن عقيل الظاهري :
( مفكر مليح الأسلوب، في أسلوبه طراوة، مع ضعف في اللغة، والقدرة على المغالطة والإثارة ، مسرف في الخيال، ومتقن رسم الصور ، أديب ساحر ).
.
.
.
.
.
.
المصادر : 1- اراء الاداب من بحث صخرة الخلاص عن عبدالله القصيمي
2- مجلة لسان الحال ، لقاء ادونيس بالقصيمي
3- علماء العرب
غير ذلك عندما ينتقل ملحد أو مسيحي إلى الإسلام نقول إنه وجد ضالته وإنها فطرته السليمة ، لكن عندما يخرج أي مسلم من الاسلام يصبح مريضا ً نفسيا ً .. هاها أليس كذلك؟
أما أنا - برأيي الشخصي - إن الملتزمين بالدين في مرحلة معينة في حياتهم هم أكثر الناس ميلاناً للإلحاد ، ولا أدل على ذلك إلا كلام الدكتور محمد العوضي في مقاله له قبل عدة أشهر عندما كان يتحدث عن " ثامر" الشاب الذي تحول من الاسلام إلى الالحاد ، فقال ثامر على لسان العوضي : "ان الالحاد بدايته ذكاء ، والاستمرار فيه غباء "
لا أتفق تماما ً مع هذه الجملة فالغباء و الذكاء لا يجتمعان بشخص واحد لكن العوضي أو ثامر ، مضطر أن يقول إن الاستمرار بالالحاد غباء حتى لا يكون شاهد على ذكاء المخالف ، أنا أرى إنها مسألة شخصية تماما ً قد يكون العبقري مسلم وقد يكون ملحد وقد يكون مسيحي ، فالمعتقدات هذه من أدق خصوصيات أي إنسان، القصيمي لم يكن سوى أحد الشيوخ الذين رفضوا تكرار كلام الأموات و وراثة الدين عن الاباء و الأجداد ، بل إن الجميع كان يشهد بذكاء هذا الشيخ السعودي .
ربما يرى الناس إن إنقلاب القصيمي كان سريعا ً و غريباً ، لكني متأكد أن القصيمي قد عانى الأمرين من أجل الإنسلاخ عن معتقده و تسليم القيادة للعقل ، لا يمكن لمدافع عن الدين ، محب له ، أن ينقلب بين ليلة و ضحاها ، لقد كانت معاناته كبيرة ، و سوف أستشهد بقوله هو لإثبات ذلك :
كان الغرور الديني قد أفسد عليّ كل شعور بالوجود وبجماله، وكنت مؤمنا بأن من في المجتمع لو كانوا يرون رأيي ويزهدون زهدي لوقفت الأعمال كلها، وكنت لا أخالق إنسانا رغبة فيما يتخالق الآخرون من أجله، وكان شعاري في تلك الفترة قول ذلك المغرور المخدوع مثلي :
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
وكان يخيل إلي وإلى غروري الديني الأعمى أنه لاقوة كقوتي ، لأن الله معي واهب القوى !
فليقو العالم كما يشاء وليجمع من الأسباب ماطاب له فان ذلك كله لا قيمة له ولا خطر بالنسبة الى من استقوى بقوة الله ).
نعم القصيمي كان يعاني من أجل إبعاد الدين عن نفسه ، وهذا دليل على صدقه و جديته ، لأن اللعوب دائما يسهل عليه تغيير مايؤمن به من أجل شهوة الشهرة أو المال ، فلما يتعذب من أجلها ؟
الحكيم : وما أدراك أيها الطفل المتعصب ، اقرأ كتب القصيمي لتجد قمة التطرف فيها
المتمدن : أنا أدري يا العجوز إن القصيمي كان متطرفا ً في بعض أحواله ، لقد تطرف كثيرا ً عندما كان مسلما ً وكذلك عند إلحاده .
الحكيم : ربما .. خصوصا إن أخذنا غروره في كتاب هذه هي الاغلال عندما أخذ بمدح نفسه حتى إنك تعتقد إنك على وشك أن تقرأ انجيل الثورة ، أعطى لنفسه حجما ً أكبر من حجمه الحقيقي .
المتمدن : لا ينكر ابداع القصيمي الا متعصب جاهل مثلك يا عجوز الخيبة ، ولكن قد يتضح لمن يقرأ أكثر من كتاب للقصيمي إن كتاباته ليست سوى صرخات إنسان غاضب جدا ً فهو يكرر نفسه في عدد كبير من كتبه ، بل انه لو جمع كل كتبه في كتاب واحد ضخم لكفته ، فمثلا كتاب : الانسان يعصي لهذا يصنع الحضارة، كانت فيه افكار جميلة و جيدة جدا ً لكن عدد كبير منها مشابه للكتب السابقة ، فهو يملك فكرة واحدة ويصيغها بأكثر من اسلوب ، وعلى الرغم من أنها تعتبر سلبية ، إلا أنها تدل على إبداعه الادبي بصياغة فكرة واحدة بأساليب متعددة .
أول و أجمل ما قرأت للقصيمي هو " أيها العقل من رآك " كان ممتازاً لأنه سلس وعلى شكل حكم وأمثال تم تجميعها، و الأهم انه تلخيص جيد جدا ً لأفكاره .
الشاهد من ذلك أن القصيمي و أمثاله ، اثبتوا أن ترك الدين ليس بسبب الشهوة فقط ، بل نابع من قناعة داخلية ، قد يسميها البعض " شبهات " .
الحكيم : عن أي شبهات تتحدث ؟ عبدالله القصيمي هو التطرف بعينه ، إنه الحقد على كل ماهو ديني ، كتبه تحمل تطرفا ً واضحا ً و تحاملا ً على الدين وأهله بل و غضبا ً من مجتمعه الذي نبذه . إنه مدمر من الدرجة الاولى ، نقده غير بناء أبداً كما أرى فهو يرى الجماهير مجرد خراف تصرخ باسم الاله المقدس .
المتمدن : لكن هذا لا يمنع إنه ذكر حكم رائعة تكتب بماء من الذهب . هو يتحدث عمن أسلم عقله لرجال الدين أيضا ً و العادات القديمة ، انه صرخة كل صاحب شك و ريبة ، عبدالله القصيمي لم يكن حاقدا ً لمجرد الحقد ، بل حاقدا ً بسبب اليأس . على الرغم أن كلمة حاقد لا تليق بمثله لكنها الحقيقة فهو غاضب من خضوع الناس لسلطة رجال الدين .
يقول مدافعا ً عن نفسه :
- ( ان ما يقوله بعضهم من أنني هدام ، فإنني اقول لهؤلاء: عندما تتهمونني
بالهدم، وتقولون لي قف لا تهدم، فأنتم حينئذ تشبهون من يطلبون من الذين يقتلون الحشرات وجراثيم المرض ومنظفي المدينة، أن توقفوا عن أعمالكم، لأنها اعمال هدمية )
الحكيم : هذا الرجل لم يكن سوى صرخة ألم ... وهذه الحقيقة شئت أم أبيت ، الألم كان مسيطرا ً على كتاباته، إن أي قارئ لكتب القصيمي يستنتج أن كلمة " العقل" استخدمت كثيرا ً في كتبه لكن في الغالب سيطر الألم و الحزن و القلب على اقوال وكتابات هذا العظيم .
المتمدن : لكن يا حكيم ، أنا لا أعتبر هذا نقصا ً فيه ، تحسب له لا عليه ، هل يحتاج البشر حقا ً إلى العقل دائما ؟ نحتاج إلى الغضب و الألم أحيانا للنهوض ، نحتاج لمشاعر الغضب والكره ، أنني أقف إحتراما و تقديرا ً للقصيمي على صراحته عندما قال :
( إن كل دموع البشر تنصب في عيوني، وأحزانهم تتجمع في قلبي، وآلامهم تأكل أعضائي .. ليس لأني قديس، بل لأني مصاب بمرض الحساسية ) !!!
بمناسبة ذكره لكلمة قديس .. قرأت منذ فترة كتاب للفيلسوف نيتشه بعنوان : هو هذا الانسان يقول فيه : إني لأفضل أن أكون مهرجا ً على أن أكون قديسا ً .
و إني أتفق معه تماما ً فلسنا بحاجة إلى رجال دين فهم كالغثاء في كل مكان ، نحن بحاجة لمن يترك برجه العاجي لينظر ماذا يدور في أذهان من يسمونهم " العوام "
يقول القصيمي إنه يشعر بمعاناة كل البشر و يحس بآلامهم لأنه إنسان حساس ، و إني شعرت بالغثيان عندما قرأت لبعض من كتبوا عن القصيمي فكانوا بكل خبث يحورون الكلام و يستغلونها لاظهار القصيمي بأبشع صورة ، قال بعضهم ان القصيمي اعترف انه مريض نفسي بسبب قوله : ليس لاني قديس بل مصاب بمرض الحساسية .
فهذه أخبث تهمة ،إنها دليل فاشل تماما ً وعاجز أيضا ومدلس .
القصيمي له سلبياته و إيجابياته كأي مفكر آخر ، تستطيع أن تستنتج بسرعة من كتبه السبيات و الايجابيات .
الحكيم : من أعظم سلبياته أن هناك بعثرة و اضطراب في كتاباته و الدليل تكرارها و سطحية بعضها ، بل إن بعض الأفكار أجدها جد منحرفة وفاسدة .
المتمدن : لكن يكفي أنها نابعة من قلبه ، وأسلوبه الشيق في الكتابة أيضا مميز . بل إنه طرح حقائق واقعية واصاب الحق في كثير من الامور .
سأذكر بعض الامور التي ذكرها القصيمي في تلخيص : أيها العقل من رآك ، سأحاول شرحها فيما يلي .
يقول : ان الذي لا يعلم بوجودي لا يـُـعد مسيئا إلي ، ولكن المسيء هو الذي يعلم بوجودي و يلعن اعترافه بي ، ثم ينسب الي الشرور والنقائص .
انتهى
المقصود هنا كما هو واضح هو الله ، فإن الذي لا يعلم أو لا يملك اليقين التام لإثبات وجود الله لهو خير من الذي يعترف بوجود الله ثم يقوم بتأليف دين أو نسب الشرور لله كما يفعل رجال الدين أو حتى البابا في العصور الوسطى من صكوك الغفران وغيره .
أجزم أن القصيمي له مقصد آخر أو أكثر عمقا ً لكن لا مجال لشرحه هنا .
يقول : ان الشيخ الذي يلأ لسانه بالله وتسبيحاته ، ويملأ تصوراته بالخوف منه و من جحيمه ، ثم يملأ أعضائه و شهواته بالكذب و الخيانة والصغائر وعبادة الاقوياء لهو أكفر من أي زنديق في هذا العالم .
انتهى
هنا ملاحظة جديرة بالاهتمام
إن كانت الزندقة إبطان للكفر ، فهو على أي حال (كافر)، لكن الشيخ المنافق لهو أكفر منه ، لأنه عَلِمَ بوجود الله و خدع الناس وهو متيقن من دينه ، واستمر بإشباع شهواته ثم بكل وقاحة يشتم الكفار على المنابر ، و يقلل من شأن من يعتنق دين أو فكر مخالف ، بينما هو في سره أسوأ منهم جميعا ً.
يقول : لقد وجدنا ، فأردنا وجودنا ، ثم وضعنا له تفسيرا ً عقليا ً و أدبيا ً .
هنا القصيمي ينفي مقدرة الانسان على معرفة سر الوجود أو سببه ، أو حتى بدايته وكيفيته ، فهو يلغي أي قيمة للحياة ، ذكر ذلك في أكثر من موقع ، لكن يهمني استشهادي السابق بكلامه ، إن تلك الجملة التي قالها ترتبت عليها نتيجة ، وهي إن الإنسان عندما وُجد أراد أن يحيا لكن من الصعب عليه أن يتقبل حقيقة جهلة بمصدر وجوده ، وبسبب بساطة وسطيحة تفكير الانسان الأول نسبها لتلك القوة العظمى التي وضع فيها كل ما يحلم به .
حتى أكون أكثر وضوحا ً .. يريد القصيمي أن يوضح - كما أرى - نقطة وهي : ماذا كانت ستخسر الآلهة لو انها تركتنا للعدم ؟ ولما تلك الحاجة الملحة لدى الآلهة لكي تخلقنا ... فالعبادة ليست سوى تبرير سطحي من فكر سطحي .
لديه جملة تؤيد قولي ، قال فيها : إن هذه الحياة تشبه من وضع في قدميه قيدا ً ذا عقد كثيرة ، ليكون كل عمله و اهتمامه ان يحاول فك هذه العقدة "
ويقول في موضع اخر : ان هذه الحياة أشبه بالسقوط في بئر ثم محاولة للخروج منه "
هنا يستنكر القصيمي أن يكون الله قد خلق البشر من أجل الإختبار و العقاب و الثواب ، إن كان في الإساس يعرف النتيجة مسبقا ً ، فلما يخلقنا ؟
ظهرت تفسيرات سطحية كثيرة وطريفة أحيانا ً مثل : خلقنا لانه يريدنا ان نعبده ، او خلقنا لانه يحبنا ويريد لنا الخير
هذه التفسيرات لن تقنعه بلا شك .
لقد كانت النتيجة هي ما ذكرها الزهاوي الشاعر العراقي في بيتين عن هذا الامر :
لما جهلت من الطبيعة أمرها .. أقمت نفسك في مقام معلل
أثبت ربا ً تبتغي به حلا ً ... للمشكلات ، فكان أكبر مشكل
و يعيد القصيمي ذكر نفس الفكرة بأسلوب مشابه بقوله : إن جميع ما يفعله البشر ليس الا علاجا ً لغلطة وجودهم .
ثم يصف القصيمي سكان السماء بالكائنات البعيدة الصامتة
في هذه النقطة بالذات يريد القصيمي أن يقول - كما أعتقد- أن الانسان هو خالق الله وليس العكس ، ففي علم النفس تقسم حاجات الانسان إلى ضرورية و ثانوية ، الصفات الضرورية هي تلك التي تقهر الانسان ولا يعيش بدونها مثل الاكل و الشرب و النوم و الجنس ، لقد نفى الانسان أن يحتاج الله لأي منها ، لأنها تقهره وتدل على ضعفه .
لكن الحاجات الاجتماعية النفسية في علم النفس التي يسعى الانسان لكسبها طوال حياته وهي : الشهرة ، النجاح ، التملك ، المحبة ... كلها نسبها الانسان إلى الاله الذي يعبده ، ولهكذا يريد القصيمي أن يقول إن الرب ليس سوى نسخة منقحة من رغبات وحاجات الانسان التي في أحيان كثيرة يعجز عن تطبيقها على أرض الواقع .
لقد عانى القصيمي الأمرين من إنكار الناس له ، وإن كان قد حاز على شهرة و تشجيع واهتمام بالغ في كتبه الاولى ، لكن تكرار اسلوبه افقده قيمته ، وصف انكار مجتمعه له افضل وصف نتفق معه فيه سواء كنا مسلمين أو مسيحيين أو ملاحدة ، عندما قال :
ان من أسوأ مافي المتدينيين انهم يتسامحون مع الفاسدين ولا يتسامحون مع المفكرين .
وهذه حقيقة مؤسفة ، فترى ان الخطيب في صلاة الجمعة مثلا يصرخ ويلعن المفكر ويتوعده بالويل ويعتبره العدو الأول ، بينما يكون في غاية الرقة مع الفاسد ، ويدعو له بالهداية ، ذلك ان لديه معه قاعدة مشتركة ، والحقيقة أني أنظر لهذا الهلع والخوف عند المتعصبيين ( وليس المتدينيين كما ذكر القصيمي فأنا أختلف معه بالوصف ) هذا الهلع ليس سوى خوف من ( سحب القطيع ) وهو مصطلح أطلقه على من يمشي بلا إعمال للعقل ، إن المتعصب يخشى كل الخشية من المفكر لأنه يتكلم بعقل و حكمة بينما لا يهتم كثيرا لأمر الفاسد لأنه يعلم انه مهما فسد و استسلم لشهواته فهو عائد إلى الدين لا محالة ، بينما المفكر حتى وإن كان مسلما ً يكفي أن يكون متحررا ً لكي تنهال عليه اللعنات .
لا يهم لدى المتعصب أن تكون أخلاقك حسنة ، يكفي أن تخالفه لكي تكون من جماعة المغضوب عليهم ، ولا يهمه أن تكون أخلاقك سيئة ما دام فكرك يشابه فكره ، وهو ما وصفه القصيمي بوصف دقيق عندما قال : ان المطلوب عند المتدين هو المحافظة على رجعية التفكير ، ولا على نظافة السلوك .
وهذه بعض آراء بعض الشخصيات على عبدالله القصيمي :
قال انسي الحاج:
" اقرأوا القصيمي. لا تقرأوا الان الا القصيمي . ياماحلمنا ان نكتب بهذه الشجاعة! ياما هربنا من قول ما يقول! ياما روضنا انفسنا على النفاق، وتكيفنا، وحطمنا في انفسنا الحقيقة، لكي نتقي شر جزء مما لم يحاول القصيمي أن يتقي شر قوله. يهجم على الكلمة هجوم البائع الدنيا، وتقتحمك كلماته التي لا تتوقف اقتحام الحريق ضد كل شيء ".
" لم يفعل القصيمي شيئا. افكاره موضوعة في كتب، والكتب يجاوب عليها بكتب. معاملة الكاتب بالتدابير البوليسية تصرف جبان ".
يقول ادونيس في مجلة " لسان الحال " 65
:
" لا تستطيع أن تمسك به ـ بالقصيمي ـ فهو صراخ يقول كل شيء ولا يقول شيئا. يخاطب الجميع ولا يخاطب أحدا. انه الوجه والقفا: ثائر ومتلائم، ملتزم وغير ملتزم، بريء وفتاك. وانت عاجز عن وصفه. فهو بركان يتفجر، والحمم كلمات تحرق، لكن فيما تزرع العشب. فهو تيار جامح مهيب من المد والجزر، من الانقراض والانبعاث، مسكون بشحنة الاحتجاج، متناقض ومنطقي، معتم وصاف: كأنه الرمل وقطرة المطر.هكذا تتقاطع في صوته اصداء كثيرة: من هيراقليطس، وحتى العبثية مرورا بنيتشة وماركس،. لكنه يبقى غريبا اصيل النبرة والبعد،حتى ليصعب ان يوصف العربي الذي لايقرؤه بأنه مثقف أو بانه يحيا على هذه الارض.
" عبد الله القصيمي في الفكر العربي حدث ومجيء: حدث لأن صوت هذا البدوي الاتي من تحت سماء المدينة ومكة، صوت هائل فريد. ومجيء لأن في هذا الصوت غضب الرؤيا والنبوءة..."
ابن عقيل الظاهري :
( مفكر مليح الأسلوب، في أسلوبه طراوة، مع ضعف في اللغة، والقدرة على المغالطة والإثارة ، مسرف في الخيال، ومتقن رسم الصور ، أديب ساحر ).
.
.
.
.
.
.
المصادر : 1- اراء الاداب من بحث صخرة الخلاص عن عبدالله القصيمي
2- مجلة لسان الحال ، لقاء ادونيس بالقصيمي
3- علماء العرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق